في أرضي، لن ترى إلا الفحمَ والكُثبانَ لا بدايةً لها، ولا نهايةً رملٌ فوق رملٍ، وآلهةٌ من الحَجَر والغِربانِ في أرضي، ستسمع فقط عن جنات عدنٍ وشقائقُ النُعمَان هُنَا، حيث اللازمانِ واللامكانُ هُنَا، حيث عَبَدْتُ الحَجرَ.
وحيدةً تمامًا في الفلكِ لا سماء زرقاء ولا قمرَ أرضي، هذه التي اكتسح السوادُ رَملَها، وجفت نِسَائِهَا ولاقت حَتفَها أرضي، أرضُ اَلرَّمَاد والفَحمِ أرضٌ ملأتها الذُكور أُمَمًا أرضي، أرضُ الصدأ والموتى أموطنًا أنتِ أم منفى؟
لأَلفِ سَنة، لم يمر نجمٌ في سَمائي ولم تسمع الآلهةُ أيًّا من الأغنياتِ والأماني حَفَرَتْ، فَدُفِنتُ تَسلقتُ من قَبلْ، وعلى الصَليّبِ تَعلقتُ لم أقرأ في أرضِ الكُثبانِ لا توراةَ ولا إنجيلَ ولا قرآنَ.
عَلمُونِي، الصمتَ والكِتمَانَ ورَمونِي، بين أشواكِ الغابِ وبيتِ الجُثمانِ بيتٌ بلا أبوابٍ، بيتٌ بأشباحٍ حيث لا وقتٌ يمضي ولا رياحٌ، لم أسمع إلا نُواحَ النساءِ، وصراخَ موتى، وَعُوَاء
لأَلفِ سَنة، لم يَلبَس جسدي إلا جِلدهُ، وخِمارَ كِسَاءِ. هُنَا، في أرضي أرض الفحمِ والكُثبانِ، لم أعرف فصلًا غير الشِتاءِ.
لأَلفِ سَنة، لم يَمُرّ نجمٌ في سمائي لكِنْ أكاد أقسم بأني رأيت ثلجًا، فَغُبَارًا، فضوءٌ ينادي من السماءِ! من السماءِ! لحقتُ الضّوءَ، تركتُ الشِتَاء أين البحرُ؟ سألتُ نجمي أين حياتي؟ أستحملني صوبَ طُفولةٍ أخرى؟ إلى مَفَرّ؟ إلى قهرٍ؟
أم إلى تِلكَ المُدن التي اِنتظرتهَا دَهر؟
نَجمي، أجِب! قدماي تآكلتا، وما عُدت أقوى الجَريَ أغبارًا ستتلاشى؟ أحُلمًا صغيرًا ستختفي وتُخفِيّني؟
أتلاشيتَ بعدُ في سمائكَ، أيا نجمي، نَجمُ الغُبار والدُخانِ؟ على أي أرضٍ جديدةٍ قُدتنِي؟ بَينَ الرمالِ ونهرِ النسيانٍ أيقظتَني ألم تعرف بِأنّي أخافُ الماءَ منذ أزَلٍ، وبِأنّي قد أكلتُ التُرابَ؟
وقَفتُ، بين الجَحيم واللامَكانِ وبين الجنة وحدائق النِسيانِ، لا أعرف إن كُنتُ أستطيع تَركَ الرمالِ وقَفتُ، والتَفتُ ورائي لأول مرةٍ، لآخر مرةٍ تَركتُ الأرض وابتَعدتُ عن العَناءِ.
في نهر النسيانِ، لم أطفو ولم أغرق كنت أمشي، كالخيل تحت المَاءِ اغتسلتُ من الخطيئةِ الأولى، خطيئةُ النِساءِ ولادةُ الإنسانِ والسماءِ ولادةُ الفَناءِ اغتسلت من تُرابي، ومِنْ خُطى المسيح واتباعهِ الأُمنَاءِ، اغتَسلتُ، وكانت حِجّة الوداعِ.
لم أطفو بعدُ، ولم أجِدْ ميناءً سُرتُ على الهُدى مبتعدةً عن المَنّفَى، سُرتُ على غناء الملائكةِ والصدى
امتلأت رئتاي بالملحِ والمَاءِ امرأةُ الرمالِ، تغرقُ وتُبعثُ من جديدٍ تركتُ الرِمالَ، تركتُ التُرابَ، تركتُ الفَحمَ، ولدتُ من جديدٍ، كامرأةٍ من حديدٍ.
رأيت بعد نهر النسيانِ، نهر اللبَنِ ونَهرَ الخَمرِ رأيت السماء الزرقاء والقمرَ رأيت باب التوبة سمعتُ خَورسَ الملائكةِ وسَبعةَ تراتيل رأيت رقصة البجعِ بعد نهر النِسيان، لا جوعٌ، ولا مرضٌ، ولا شقاءٌ شجرٌ، وسلام، وميلادِ العنقَاء.
من أحاديث الرُومانِ، بين لؤلؤٍ ومَحارٍ وُجِدَتْ، من شواطئ قُبرص جِئتُ، جِئتُكَ، من بابلَ من عشتار، من مريمَ، ومن سنابلِ.
امرأةٌ مثلي، لا تَعبدُ الحجرَ امرأةٌ مثلي، تتغذى من المَطرِ امرأةٌ مثلي، تَعِبت السهَر حُرةٌ الآن، كطفل يولد، كبعثِ جديدٍ، وقيامةِ مَيتٍ لا يؤمن بالقدرِ.
يا من تجلى في النجمِ أتسمعني، أتراني؟ أنا امرأةُ الرملِ، أنا من خَلقَ هذا المدَّ والجزْرَ أنا من كوّنَ الحَجرَ، وغطى السماءَ، وصنع الظلامَ وقتلَ الشجرَ أنا من مَدّ الكُثبانِ، وغاباتِ الأشواكِ ومن سَدّ باب الريانِ ظننتكَ سرابًا ظننتك حلمًا، رأيته على أبواب الصَالحينَ ظننتكَ وهمًا
أين أنتَ وأين أنا؟ خَشيتُ الخلودَ وحيدةً، فكتبتُ عن موسى والأسفارِ لا أعرف غير الشِعر طريقةً، كتبتُ الأذكارَ امرأةٌ مثلي لا تكتب شِعرًا عن الرجالِ، لكن إليك عزمتُ الموتَ والترحالَ فقَبلكَ لم أعرف فصولًا غير الشتاءِ.